السبت، مايو ٢٠، ٢٠٠٦



أين هو الأمن؟

ما يحدث في مصر في الأسبوعين السابقين يؤكد تداعي وأنهيار وتفسخ النظام الغاشم الجاثم على صدر مصر منذ أكثر من ربع قرن مستندا الى قانون الطوارئ. فعندما يصاب نظام ما بالصرع وفقدان العقل والأتزان ، ويصطدم بكل طوائف الشعب بهذا الأسلوب الهمجي والغبي ، أضافة الى كونه أصلا فاقدا لأهليته وضميره ووطنيته وبعده الشعبي والقومي بالأساس ، فأنه يصبح خارجا على الشعب وبالتالي خارجا على القانون والشرعية ، لأن الشعب هو الشرعية ، والدستور ينص على أنه مصدر السلطات.
لطالما صبّر المصريون أنفسهم على فساد نظام مبارك الفاشي ، تذرعا بأستتباب الأمن مرة وطلبا للبعد عن وجع الرأس مرة أخرى، ولكن أية أمن هذا وجموع الناس مهددة بالسّحل والقتل وهتك العرض والأعتقال والتعذيب والتنكيل وكل مافي قواميس الدنيا من هوان وبؤس وإضطهاد. أين هو الأمن والناس لم تعد تأمن من غول الجوع أووطأة المرض ، وغاب الأمل في الغد لدى السواد الأعظم من الشباب المتكدس أمام السفارات الأجنبية أملا في الهروب من الجحيم الذي يفتك بهم في وطنهم ، فأذا ما فاض بهم الحال من طرد السفارات لهم ، القوا بأنفسهم الى البحر ليفترسهم أو فجروا أنفسهم في الطرقات بعبوات من البارود والمسامير؟ أين هذا الأمن والناس بين رحى الأفقار والإذلال من ناحية وسيف البطش المسلط على أعناقهم ليل نهار من ناحية أخرى؟ أين هذا الأمن والدولة بكل مؤسساتها ومقوماتها وقيمها تنهار أمام أعين الجميع ، وساءت الأخلاق وفسدت الذمم ، واستشرى الفساد في كل شئ مثل النار في الهشيم؟ أين هو الأمن وقد تحولت الشرطة والجيش معا الى أمن مركزي يحمي النظام من الشعب بعد أن كانت مهمتهم هي حماية الشعب وصون كرامته؟
من الذي خان الشعب وخيب أماله وأصبح كالسرطان الذي ينبغي إستئصاله؟
أن مبارك وعصابة الحزب الوطني (أو بالأصح الخزي الوطني) قد فقدوا عقولهم وهم يرون كراهية الجماهير للنظام ولأسرة مبارك يزداد كل يوم ، وأن كراسيهم ومصالحهم ومصالح أسيادهم من الصهاينة باتت مهددة ، وأن دون أتمام ثمثيلية التوريث الغبية دماء وأرواح الآلاف من هذا الشعب الأبي.
عندما تيقن مبارك وعصابة "الخزي الوطني" من أستحالة التوريث ، أسوة بسوريا، لأن أسرة مبارك ليست مماثلة لأسرة الأسد وأن أشتركوا في الجبروت والبطش ، وظروف مصر ومعطياتها ليست مثل ظروف سوريا ، عندما تيقن لهم ذلك فقدوا عقولهم ، وهان عليهم هذا الوطن ودماء أبنائه ، وهذا ليس بمستغرب منهم ، فلطالما خانوا الشعب ومصوا دماء أبنائه وتحالفوا مع أعدائه. لذلك تراهم يمارسون سياسة الأرض المحروقة ويلعبون بالنار التي تكاد أن تلتهم الوطن.
أن قاطن شرم الشيخ لا يأبه أن يسقط نظامه الفاشي عنوة وبثورة جماهيرية ، مع ما ينطوي عليه ذلك من مخاطر تحيق بالوطن وتهدد بتحويله الى عراق آخر. وهو لن يتخلى عن كرسيه ودوره في العمالة للصهيونية ولو كلف ذلك أرواح جميع أبناء الوطن وتدميره بالكامل. لذلك تراه سادرا في غيه ولا يلق بالا الى زئير الشعب الهادر والذي يكاد أن يقتلع نظامه من جذورة لا الى نصائح المخلصين للوطن بالأستقالة رغم هذا الكم الهائل من الكراهية له ولأسرته وهو مالم يحدث حتى للملك فاروق في أسوأ أوقاته.أن غضبة الشعب ستكون وبالا على هؤلاء الذين خانوا أبناءه ، وتحالفوا مع أعداءه وكانوا عارا على جبين الوطن. غير أنه ليست لعنة الشعب هي التي ستحرقهم فقط ، ولكن لعنة التاريخ ستطاردهم أيضا ، ووقتها لن تنفعهم أميريكا ولا الصهاينة ولا الغرب مجتمعين.