الأحد، يناير ٢٨، ٢٠٠٧

الإبتزاز بالقبطنة

الإبتزاز بالقبطنة!


أثار البعض قضية التمثيل النسبي "للمسيحيين" المصريين (وليس كما يزعمون "الأقباط" لأن كل المصريين في الحقيقة أقباط) في المجالس النيابية في معرض مناقشة التغييرات التي قرر مبارك إدخالها على الدستور المصري بهدف النيل من هوية الدولة الإسلامية. وإذا كان الأمر يقتصرعلى ضمان تمثيل نسبي حقيقي للمسيحيين في المجالس النيابية فعلى العين والرأس وبالطريقة التي يرغبون بها سواء أكان ذلك عن طريق الإندماج في الأحزاب أو بحفظ نسبة مخصصة لهم يتم إنتخابها بواسطة المسيحيين أو يعينها رئيس الدولة أو رئيس الكنيسة أو بأي طريقة أخرى يرضونها.. ليس لدينا أدنى مضض أو تململ من ذلك!
وأما إذا كان الهدف هو "علمنة" الدولة لأجل عيون مواطنيها المسيحيين فلا وألف لا ودون ذلك الكثير والكثير ولا يغرنك حزب الصهاينة الحاكم في مصر الآن فهو إلى زوال..
السبب وراء رفضنا هذا هو أن مصر دولة إسلامية من واقع تعداد سكانها المسلمين والبالغ 94% من جملة سكانها (بحسب موقع الشرق الأدنى بالإدارة الأمريكية نفسها). ولأن مصر دولة إسلامية فدينها الرسمي هو الإسلام ولغتها الرسمية هي العربية. ولن تتحول مصر المؤمنة الى دولة كافرة بعون الله في يوم من الأيام.
من ناحية أخرى ، دولة مثل المملكة المتحدة هي دولة مسيحية وملكتها هي رأس الكنيسة ، فهل ياترى لأن بها عدة ملايين من المسلمين ستتحول الى دولة علمانية أو أن رئيس وزراءها سيكون مسلما في يوم من الأيام؟ مثل آخر هو: ألمانيا ، هل ستتحول عن المسيحية لأن بها بعض الأتراك المسلمين في الوقت الذي تقودها فيه السيدة ميركل المسيحية المتعصبة؟ وهل سنرى يوما رئيسا مسلما لفرنسا أو الولايات المتحدة الأمريكية وكلتاهما جمهوريتين غير دينيتين؟
لماذا ينبغي علينا نحن أن نغير جلدتنا ونخرج عن ديننا لأن فريقا من أهل بلدنا قرر أن يدخل في المسيحية تحت التهديد والوعيد الروماني ، وعندما جاء الإسلام قرر الفريق الأكبر من سكان البلد سواء أكانوا وقتها مسيحيين أم وثنيين الدخول في الإسلام وبقي جزء منهم على مسيحيتهم من غير أن يرغمهم أحد على تركها؟
بأي حق يطالبنا هذا البعض الآن بأن نتنكر لعقيدتنا من أجل "أوهام" بعض منهم يحلمون بتحويل مصر إلى دولة مسيحية رغم أن عقيدتنا الأسلامية هي التي حافظت على هويتهم المسيحية؟ ما هذا الإبتزاز الدنيئ؟ وهل تصوروا أن نرضخ لمثل هذا الإبتزاز؟ أم إنه موسم التهافت على أمة محمد بسبب ضعفها. غير أن تلك ليست هي المرة الأولى التي يتهافتون فيها على مصر، ولو أنهم وعوا التاريخ جيدا لأدركوا أن مصر صدت كل الهجمات التي توالت عليها وبقيت على مر العصور مرفوعة الرأس وحامية حمى التوحيد.

الخميس، يناير ٢٥، ٢٠٠٧

مشكلة الإخوان المسلمين الحقيقية

مشكلة الإخوان المسلمين الحقيقية


لا أعتقد أن مشكلة جماعة الإخوان المسلمين الحقيقية مع النظام المصري تكمن في حظر نشاطها السياسي، فهي في ذلك تتساوى مع كل القوى الوطنية المصرية.

المشكلة الأساسية التي تواجه جماعة الإخوان المسلمين بنظري ليست في حظر نشاطها السياسي بقدر ما هي في حظر نشاطها الدعوي لأن الجماعة قائمة على الدعوة والتي تهدف بالأساس إلى تربية النشئ الصالح وتربية جيل قادر على حمل أعباء الدعوة.

الإشكالية الحقيقية تكمن في كون الإرادة السياسية المصرية تحت السيطرة الأمريكية والصهيونية بالكامل. والإدارة الأمريكية لا تخفي أن هدفها هو إستئصال الثقافة الإسلامية ومحو الهوية العربية والإسلامية بالكامل. وثقافة الإستئصال التى ينتهجا النظام المصري لن تتوقف عند الإسلاميين فقط وإنما سو ف تمتد إلى جميع القوى الوطنية المعارضة لسياسات النظام المصري أو المناوئة للسياسات الأمريكية والصهيونية في المنطقة.

الهدف الغير معلن للإدارة الأمريكية هو إستئصال ثقافة المقاومة وإستيدالها بثقافة الإستسلام أو ما يعرف قي أدبيات بعص الكتاب السياسيين بالنهج "الإنبطاحي" ، وتسويق ذلك على أنه "البراجماتية" أو أحسن ما يمكن الحصول عليه في ظل المعطيات الإجتماعية والإقتصادية الحالية.

المشكلة الثانية تكمن في سلبية المواطنين وعدم إكتراثهم وكأن الأمر لا يعنيهم في شئ أو كانهم مخدرين أو منومين مغناطيسيا!

الخميس، يناير ١١، ٢٠٠٧

قليل من العقل الأبوي!

قليل من العقل الأبوي!


هل توريث الحكم لجمال مبارك مغامرة مأمونة العواقب؟
هذا السؤال أتوجه به إلى السيد محمد حسني مبارك والسيدة سوزان زوجته.

إنني عندما أطالع تحليلات المراقبين على الساحة المصرية والتي تؤيد نظرية محاولة الأبوين توريث حكم مصر لنجلهما أتساءل: هل مبارك الأب والسيدة سوزان فقدوا عقلهم حقا ليشجعوا نجلهم على مثل هذا الأمر؟

قد أصدق أن شلة المنتفعين من عصابة لجنة "الخباثات" (أو قل الخيانات) ربما تشجع جمال بالوثوب إلى الحكم لتأمين مصالحهم ومصالح المتصهينين والمتأمركين الآخرين .. ولكن هل فقد الأبوين عقلهما ليدفعا بإبنهما إلى المقصلة؟

لا يخفى على القاصي والداني أن نجلهما ليس محبوبا من كل فئات الشعب المصري إلى درجة أن الناس أصبحوا يحمّلونه وليس والده كل المصائب التي تترى على مصر ، حتى صرنا نسمع تعليقات من قبيل يعملوها الآباء وتقع على رؤوس الأبناء!.

ولا يشك أحد أن قدرة مبارك الأب على إدارة أمور الدولة تفوق بمراحل قدرة إبنه. كما أن رصيد الوالد عند توليه الحكم والجو العام المحيط بتوليه مهام الرئاسة يختلف إلى النقيض مما عليه رصيد الإبن والجو المحيط به.

ومما لاشك فيه والأمر كذلك أن موضوع التوريث هو مخاطرة غير مأمونة العواقب لأنها مهددة بثلاثة تهديدات:

التهديد الأول: هو أن الجيش المصري العظيم مهما حاولوا إضعافة لن يقبل بأن يتولى جمال مبارك الحكم لأسباب تتعلق بطبيعة النظام ، وهذا على النقيض تماما مما حدث في سورية.

والتهديد الثاني: هو أن هناك من مراكز القوى في الصفوة الحاكمة ، مهما إقتطفوا من رؤوس أينعت ، من سوف لن يتورع عن التآمر ضد جمال مبارك حسدا عليه وغيرة منه.

أما التهديد الثالث وهو الأنكى: فهو أن البلد سوف تنفجر في ثورة رفض عارمة تحرق الأخضر واليابس لأنها سوف تكون القشة الأخيرة.

لنكن عقلاء ونعترف بأن لا الشرطة الفاسدة سوف تسند ظهر جمال مبارك ولا أمريكا التي تلعق جراحها في العراق وتعاني من سياسات بوش الخرقاء في المنطقة بأسرها سوف تغامر بذلك. لم يتبقى لجمال مبارك إلا جماعته في إسرائيل المزعومة، فهل سيقبل الشعب المصري أن تفرض عليه إسرائيل جمال مبارك؟

وعلى ذلك فأعتقد أن مبارك الأب ليس من الغباء بأن يورد أبنه موارد التهلكة وأحسن له ألف مرة أن يؤمن له مستقبله في إحدي الضياع الأمريكية ليستمتع بما استحوزوا عليه في مكان آمن.

أما إذا إستمر مسلسل التوريث فأعتقد أن المقصود ليس هو أن يصبح جمال مبارك رئيسا لمصر بقدر ما هو حرقها.

وعلى ذلك فلست أعتقد بان العبث الحالي بالدستور المصري هدفه أن يوطإ لتوريث الحكم وإنما هدفه إستصال الحركة الإسلامية والوطنية وإقصائها سياسيا وعزلها جماهيريا للتمكين للتوجه الرأسمالي الليبرالي العلماني للحكومة وتأمين المصالح الغربية في مصر على حساب المصلحة القومية المصرية العليا ، وعلى حساب الشعب المصري الصابر.

أن جوهر العبث بالدستور المقترح هو منع الإسلاميين والقوميين والوطنيين المناهضين للمشروع الصهيو-أميريكي في المنطقة من الدخول الى مجلس الشعب إما بمنعهم من الترشح كمستقلين أو بتزوير الإنتخابات إذا أمكنهم الترشح بطريقة أو أخرى. فإن دخلوا مجلس الشعب وصارت لهم الأغلبية لاي سبب من الأسباب ، يستطيع رئيس الجمهورية حل المجلس بدون الرجوع إلى الشعب. هذا بالإضافة إلى ضمان أن يكون موقع الرئاسة بيد الحزب الغير وطني عن طريق الحيلولة دون ترشح منافسين أقوياء ضد مرشح الحزب ، فإن حدث ذلك لأية خطأ في الحسابات أمكن تزوير الإنتخابات عن طريق إستبعاد الإشراف القضائي.

وعلى ذلك فأعتقد أن التحدي أمام المعارضة الوطنية المصرية هو الحيلولة دون تمرير هذا العبث بالدستور وعدم التركيز على سيناريو التوريث الغير مأمون العواقب والغير مقنع.

الاثنين، يناير ٠٨، ٢٠٠٧

مصر.. ثورة جوع أم ثورة غضب؟

مصر.. ثورة جوع أم ثورة غضب؟


لا يشك أحد في أن واقع مصرنا العزيزة أصبح يرثى له!
فالغالية العظمى من الناس أصبحت تكافح في كل يوم من أجل تأمين لقمة العيش التي تسد رمق أسرهم ، وأصبحت حتى أبسط الأمراض تمثل كابوسا لرب أي أسرة مصرية بسبب ضيق ذات اليد وأصبحت زيارة الصيدلية ، ناهيك عن زيارة المستشفى سواء أكانت خاصة أم حكومية بمثابة كابوس لكل رب أسرة.
وأصبح الإهمال هو السّمة المميزة لكافة مرافق ومصالح الدولة وأصبح المواطن يعامل بأسوأ معاملة وتمتهن كرامته من قبل موظفي الدولة في كافة المصالح الحكومية بلا إستثناء. ، حتى صارت زيارة واحدة لقضاء أية مصلحة حكومية تجعلك تلعن اليوم الذي ولدتك فيه أمك! فصار الناس يدفعون رشاوى وإتاوات لكي يتجنبون مهانتهم عملا بالمثل ‘القائل هين قرشك وماتهينش نفسك‘ (بس هو فين القرش ده ياحسره!) ، وأصبحت هناك عصابات متخصصة في إبتزاز الناس عند قضاء مصالحها في المرور وأقسام الشرطة والمستشفيات ومكاتب السجل المدني ومكاتب الجوازات والتليفونات وحتى في مكاتب البريد! لم يعد هناك شبر واحد من أرض مصر (أو مصلحة ) لم تصل إليه يد الفساد في عهد مبارك الغير سعيد!
ضاقت بالسواد الأعظم من الناس إرزاقهم و صدورهم وأخلاقهم! في الوقت الذي تنهب فيه شريحة صغيرة خيرات الوطن وتستحوز على مقاليد السلطة فيه.
وأنت عندما يستبد بك اليأس والحزن مما وصلت إليه حالنا وترى ما يفعلون بأعضاء جماعة الإخوان المسلمين لا لشئ إلا لأنهم أرادوا كشف فساد الفاسدين والتصدي لهم ولا تقدر على عمل أي شئ ، تنزوي في دارك يقتلك الحزن على نفسك وعلى وطنك !
لا بأس أيها المصري الصابر ، فلتقبع في دارك اليوم ، وإن لكل ليل نهاية ولكل ضيق فرجا..
فانتظر الفجر الذي تنفجر فيه مع الشعب كله.. إما جوعا .. وإما غضبا!

السبت، يناير ٠٦، ٢٠٠٧

دولة اللا قانون

دولة اللا قانون!


هل من الممكن أن يتحول من هو منوط به حماية الناس إلى إنتهاك أمنهم وسلامتهم؟
هل من الممكن أن يتحول نظام إلى القبض الجزافي على مواطنيه واحتجازهم وتعذيبهم؟
هل من الممكن أن تتحول الدولة إلى بلطجي؟

أن نظاما يحكم شعبه بقانون الطوارئ لأكثر من ربع قرن لابد له أن يتحول إلى نظام بلطجي!

تتوالى الأخبار التي تقع علينا وقع الصاعقة يما يجري في مصر من أنتهاكات وجرائم من قبل رموز النظام الحاكم في حق الشعب المصري كل يوم.

فمن تكرار إعتصام المحامين بمراكز وأقسام الشرطة دعما لزملاء لهم في مواجهة إعتداءات ضباط الشرطة عليهم أو إختطافها لهم ، إلى تحقيقات للجرائد تتناول ضلوع ضباط من الشرطة وأفراد من أمنائها في جرائم فرض إتاوات على المواطنين في أماكن أكل عيشهم ، الى تستر ضباط في الشرطة على عصابات البغاء لأنهم زبائن دائمين عندهم!

لم تكن صور التحرش الجنسي الجماعي بالسيدات في وسط البلد في عيد الفطر الماضي قد غابت عن ذاكرتنا بعد حتى صدمتنا الجرائد من جديد بتحقيقات كشفت حجم غياب الأمن عن الشارع المصري! ففي القاهرة يتعرض المواطنون ، وخاصة صغار السن ، إلى إعتداءات بآلات حادة أثناء سيرهم في الشوارع في وضح النهار مما أدى إلى مقتل البعض ، وتحولت الحدائق العامة والشواطئ إلى أوكار لتعاطي المخدرات وممارسة الرزيلة في الأماكن العامة ، كل ذلك ولم يتحرك الأمن لحماية الناس والبحث عن الجناة!

- ولماذا تتحرك الشرطة لحماية الشعب والمهمة الموكلة إليها هي حماية نظام مبارك الفاسد والتنكيل بمعارضيه من الشرفاء!
- ولماذا تتحرك الشرطة وكل هم ضباطها هو الإثراء بأي وسيلة ، فتراهم مشغولون بتسيير ميكروباصات وسيارات أجره تعمل لصالحهم أو فرض أتاوات على السائقين أو يتسترون على تجار المخدرات وحمايتهم ليتقاسموا معهم دم الضحايا!
- ولماذا تتحرك الشرطة وقد رضي الشعب بأن تتحول من حمايته الى حماية نظام الفساد وإلى حماية مصالح الفاسدين ولم يحتج أحد!
- ولماذا تتحرك الشرطة لحماية الشعب الذي رضي بأن يقوم أفراد منها بإنتهاك حرمات المواطنين وآدميتهم ولم يتحرك ذلكم الشعب ولم يطوق أقسام الشرطة التي حدثت فيها الإنتهاكات ولم يحرقها على رؤسهم!

إن تحوّل نظام يحكم شعبه بلا قانون لمدة تربو على الربع قرن الى البلطجة والتشرذم هو أمر حتمي. فعندما يُغيّب القانون تحل محله شريعة الغاب التي لاتعرف الرحمة.

لا ينبغي أن نلوم النظام المصري الذي تشرذم وأستشرى فيه الفساد ونخر فيه السوس وأصبح سقوطه مسألة وقت على حالته التى وصل إليها لأن ذلك أمر بديهي بسبب تغييبة للقانون ، ولكن ينبغي أن نلوم الشعب المصري ، وخاصة نخبتة المثقفة ، على قبولهم لأنتهاكات النظام ورضخوهم لحكم الطوارئ وتغييب القانون لأكثر من ربع قرن!

قد يعترض أحدنا بالقول بأنني ألوم الضحية وأترك الجلاد.. أولسنا القائلين: يافرعون مين فرعنك؟!

الاثنين، يناير ٠١، ٢٠٠٧

في الدين والتدين.. والتكفير

في الدين والتدين.. والتكفير!


لا شك أن الدين هام لكل البشر.. حتى غير المتدينين منهم!
ورحلة البشر مع الدين قديمة .. بقدم الأنسان نفسه ، فلطالما بحث الأنسان عن خالق هذا الكون المحكم.
وبعيدا عن فلسفة الفلاسفة يحكى أن أعرابيا بسيطا قال: أن البعرة تدل على البعير ، أفلا يكون لهذا الكون خالق!
وسواء أكان الشخص يؤمن بحقيقة أننا جميعا جئنا من نسل آدم عليه السلام أو أننا نشأنا عن تطور القردة حسب نظرية دارون للنشوء والإرتقاء ، فتجد أن الجميع يقرون بأن الكون أنما هو أحكم وأدق من أن يكون خُلق بالصدفة! الأمر المثير للأنتباه أيضا أن كثيرا من الملحدين يقضون طيلة حياتهم يجادلون في عبثية الدين ، وعندما يقترب أجلهم من نهايته تراهم أقل تحمسا لفكرة الإلحاد ، بل ومضطربين إلى حد أنك إذا سألتهم في الأمر يتغير جوابهم الى لست أدري! ويجدر الإشارة هنا إلى تفشي الأمراض النفسية وإرتفاع معدلات الإنتحار بين غير المتدينين. والدين في حياتنا هو قيمة ولكنها ليست عددية ، إنما هي قيمة "نوعية". وهي دائما موجودة معنا. فإذا حاولنا إنكارها نقول لا ندري! وإذا أقررنا بها ألبستنا لونا معينا ، إما أن يكون إسلاميا أو مسيحيا أويهوديا أو بوذيا أوهندوسيا.. إلى آخره!

غير أن الإيمان بدين ما ، هو في حقيقة الأمر قيمة "كَمية" قابلة للتفاوت في الدرجات ، بل وللزيادة والنقصان أيضا. فجميع معتنقي الأديان على إختلافها ، يتفاوتون في درجة تأثرهم بدينهم وتمسكهم به وتأثيره في حياتهم. فترى بعضا منهم يتضخم إعتقادهم الى درجة أن يصبح ثلاثي الأبعاد ويخلق لهم عالمهم الخاص الذي يعيشون فيه ولا يرضون بسواه ، بل وينبذون من لا يشاركهم عالمهم هذا. وعلى النقيض من ذلك تجد المفرطون الذين لا يأبهون كثيرا لأمر دينهم. وكما يقولون: ما دخل الإعتدال في شئ إلا زانه ومادخل التطرف في شئ إلا شانه وأن خير الأمور الوسط . فإن الإعتدال في التدين بلا إفراط أو تفريط هو أمر جد مرغوب.

ونحن إذا نظرنا لديننا الإسلامي الحنيف نجده يتوافق مع فطرة الناس ويلبي لهم ذلك المطلب الهام لإكتمال وتوازن شخصياتهم. وهو يساعدهم بتوجيههم وفق سياسات ترسم لهم معالم طريقهم وتهديهم في رحلتهم الدنيا. ويخط الإسلام خطوط عامة في كل مناحي الحياة و يفصل فقط في بعض الأمور المتعلقة بالعقيدة والعبادات وبعض المعاملات خاصة مايتعلق منها بالأسرة. ومما لاشك فيه أن السكوت عن تفصيل كل الأمور يحقق المصداقية لهذا الدين بأنه يتناسب مع كل عصر ويصلح لكل أمة ، وإلا لتقولب المسلمون في قالب ضيق ، يضيق عن متطلبات حياتهم من عصر لآخر. وقد يكون من المفيد هنا أن نشيرالى قول رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم: أنتم أعلم بشئون دنياكم. ولا شك أنه ينبغي للمسلم أن يستند إلى مرجعية دينية في أمور عقيدته وعباداته وفي أمور تتعلق بالأسرة مثل الزواج والطلاق والمواريث. لا يستطيع أحد أن يجادل في ذلك. وليس لأحد الحق في الرجوع باللائمة على من يفعل ذلك ، بل ربما أن العكس هو الصحيح! وأنا أقول "ربما" لأنه برأيي أن كل أنسان منوط به هو فقط أن يأخذ بما يعتقد من دين أو لا ، لأن حسابة لا يكون إلا من قبل ربه الذي يؤمن به ، اللهم إلا إذا كان هناك طرف ثالث معهما سيتأثر بذلك ، سواء أكان ذلك شخصا بعينه أو المجتمع بأسره.

يأخذنا ذلك إلى سؤال هام ألا وهو: كيف ينبغي أن يكون التعليم الديني؟
وهذا أمر حيوي وبالغ الأهمية وينبغي أن تكون لنا معه وقفة بسبب ما يترتب عليه من ظهور لأفكار ودعوات غريبة عن أصل الدين قد تاخذ عدة أشكال أخطرها أمرين: الأمر الأول هو ظهور أفكار تشوه الدين وتمسخه وتنقض فكرته من الأساس مثل البهائية وغيرها والأمر الثاني هو ظهور أفكار متطرفة من قبيل تكفير المجتمعات.

ولا يشك أحد في صدق وصحة مقولة إنما الدين بالإتباع وليس بالإبتداع ، وأنه إنما بالنقل وليس بالعقل. ونشير هنا إلى قول سيدنا علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: ليس الدين بالرأي ، ولو كان الدين بالرأي لكان باطن الخف أولى بالمسح من ظاهره. فالتعليم الديني أذن هو أمر ينبغي توحيده على أساس من المنقول عن سلفنا الصالح وليس على أساس كتابات الفلاسفة والمفكرون والمجتهدون. إنما يأتي دور هؤلاء في مرحلة ثانية بعد إرساء القواعد ورفع البناء مستقيما ، فلا ينبغي أن نبني من دون قواعد ولا أن نسقف من دون جدران! هل رأيت أحدا يدرس لدرجة الماجستير أو الدكتوراه من دون أن يتم تعليمه الأولي والثانوي والجامعي؟

من هنا ندرك فحش الخطأ الذي ترتكبه الدولة بمنع تدريس الدين في المدارس ومحاربتها للدعاة ومنعهم من التدريس بالمساجد إلا ما تمليه هي علي موظفين ومقيمي شعائر غير مؤهلين للدعوة! وهذا تضييع للتعليم الديني السّوي من ناحية ، ومن ناحية أخرى دعوة للشباب المتعطش للمعرفة الدينية لسلوك طرق وعرة لتعلم دينهم مثل مجتمعات ونوادي الأنترنت أو جماعات سرية تعمل في الخفاء مما ينتهي بهم الى الإنتماء إما لجماعات غريبة عن الدين وإما لأخرى متطرفة في فهمها له. ولقد كان فرز الغث من الثمين من تلكم الأفكار والمذاهب والمعتقدات وتنقيتها وتمحيصها يحدث بصورة طبيعية وعلى الملأ عن طريق المناظرات بين الدعاة في ضوء النهار وعلى رؤوس الأشهاد وعلى مسمع من الناس ، الذين يقررون بفطرتهم ماذا يتبعون. أن نهج الحكومة في التعامل مع المساجد والدعاة والتعليم الديني بالمدارس هو أمر ضار بالعقيدة والمجتمع ، وإنه إنما يخدم مصالح الغرب وخططه للإجهاز على هذا الدين ، اللهم إلا إذا كان هذا ما ترمي إليه الحكومة وما تشارك فيه!

إن هذا الدأب من الحكومة أدى إلى ردود فعل عكسية لدى معظم المسلمين المتدينين والذين يخشون من تفسخ عقيدة أبنائهم ، ما دفعم إلى إستئجار من يقوم على تحفيظ أبناءهم للقرآن الكريم وتعليمهم دينهم في منازلهم!
سوف يؤدي ذلك حتما إلى ظهور جيل من المُكفّرين الذين يرفضون المجتمع بكل ما فيه! إننا نعي جيدا قول رسولنا الكريم : إن هذا الدين متين ، فأوغل فيه برفق. غير أن ذلك لا يتحقق للشباب إلا إذا كان التعليم الديني في وضح النهار ، وفي أماكنه الطبيعية وعلى يد دعاة ثقات لا يزنون الدعوة بميزان رضا الحكومة من عدمه!
إنني أُحذر الجميع هنا لخطورة ذلك. وأنا شخصيا أعتقد أنه ليس لأحد الحق في أن يُكفّر أحدا ، اللهم إلا من أراد هو أن يُكفّر نفسه وقام بالإعلان عن ذلك بنفسه. و درءا للفتنة والفساد يحق فقط للحاكم مساءلته في ذلك. أما الأفراد فلا يحق لأحد منهم تكفير الآخرين لأي سبب من الأسباب.

نخلص من ذلك إلى أمرين هامين:

الأمر الأول هو أن الدين ، ولأهميته في حياة الناس ، ينبغي أن يُستقى من مصادره الشرعية الموثوقة والتي تحفظه غضا نديا للناس ، وينبغي أن يقوم على تعليمه للناس والنشئ دعاة ثقاة يُفتح لهم المجال لتعليم الناس دينهم الحق في المساجد والمدارس وبلا تضييق أو تهديد.

والأمر الثاني هو أن درجة الإلتزام بالتعاليم الدينية هي أمر شخصي ينبغي أن يُترك بين المرء وربه ، إلا ما كان منه يتعلق بالمجتمع أو بأشخاص آخرين وأنه لا ينبغي لأحد من عامة الناس أو خاصتهم أو من الدعاة أن ينصب من نفسه قاضيا على الآخرين يحاكمهم ويحكم عليهم ، وأن أمر الحكم على معتقدات الناس لا ينبغي إلا لمن هو منوط به هذا الأمر.

والله من وراء القصد وهويهدي السبيل.

د. أحمد مراد

نحن والخليفة.. ودولة الخلافة

نحن والخليفة.. ودولة الخلافة


لاشك أننا جميعنا بتنا نأسى على ما وصلت إليه حال أوطاننا العربية والإسلامية ، والتي باتت تشكو كلها من ضعف وفقر وتسلط وأستبداد للأنظمة الحاكمة ، وبتنا يصعب علينا ليس فقط ادراك السبب فيما وصلنا إليه ووإنما أيضا كيف يمكننا الخروج مما نحن فيه!

والكثيرين في ساحة العمل السياسي ممن أصطلح على تسميتهم بالأسلاميين ممن يطرحون برنامجهم للعمل السياسي من خلال هذا الأطار شديدي القناعة بأنه لا صلاح لأحوال الأمة الآن إلا بما صلح به أولها ، على أيام سلفنا الصالح رضوان الله عليهم. وقد لا نستطيع الجدال في صحة هذه المقوله على وجه العموم ،غير أن الأمر يحتاج الى تفصيل لأن شعارا مثل "الأسلام هو الحل" عندما يطرح في بلد إسلامي من فصيل ينتهج منهجا إسلاميا يفتح المجال لتساؤلات كثيرة. وحسما للجدل ، وبافتراض حسن النية فيمن قام بهذا الطرح ، وأنه لا يرمي - كما أثير- الى التعريض بحقيقة إسلام القطاعات السياسية الأخرى ، فسوف أفترض أن من قاموا بطرح هذا الشعار أنما قصدوا أن "منهج الأسلام هو الحل".. وهنا نأتي الى سؤال هام: ماهوالمقصود بهذا المنهج وماذا يتضمن؟

بالتأكيد ليس المقصود بهذا المنهج هو أن يُصبح الناس مسلمين صالحين يصلون ويزكون ولا يكذبون ، فكل مسلم يُفترض فيه أن يكون صالحا ، وإذا كنا نقصد أن نُربي النشئ تربية صالحةً ، فإن هذا مكانه البيت والمدرسة والمسجد والكنيسة. وأما إذا كنا نقصد أن يُصبح المواطنون صالحين فلا يختلسون ولا يرتشون ولا يخالفون القوانين ، فإن ذلك أيضا مكانه البيت والمدرسة والمسجد ، وإذا لزم الأمر ففي المحكمة والسجن.
المقصود أذن هو إنشاء الدولة الإسلامية.. بمعنى دولة تعلي كلمة الله في الأرض وتقيم شرع الله بين عباده ولكنها ليست دولة دينية يسيطر عليها رجال الدين فيتحكمون في رقاب العباد ويسيّرون حياة الناس وفق فهمهم هم لهذا الدين ، والذي ليس بالضرورة الفهم الأمثل أو الأصح! وأنا شخصيا لا أرى في ذلك عيبا ولا نقيصة ، غير أن السؤال الذي يطرح نفسه هنا هو: ما شكل هذه الدولة؟ هل هي دولة خلافة أم أنها يمكن أن تكون دولة على الطراز الحديث؟

لا شك أن الكثيرين ممن هم أسرى لتاريخنا الأسلامي الحافل بالفتوحات والأنتصارات والريادة الحضارية بين الأمم يتوقون لعودة هذه الأمجاد. غير أن ذلك يصعب تحقيقه الآن ، ليس فقط بسبب الفارق التقني بيننا وبين الأمم التي تنقض علينا ، وإنما أيضا بسبب عاملين هامين.
العامل الأول يكمن في تدهور مكونات الشخصية الإسلامية والعربية على مستوى الأفراد في الوقت الراهن والظروف الأجتماعية والإقتصادية المحيطة بذلك والمؤثرة فيه. فلا شك أن أسوأ ما في تخلف الأمة العربية والأسلامية هو في جانب السلوكيات على المستوى الفردي والعوامل الأقتصادية والأجتماعية التي تؤثر فيه وتدفع في إتجاهه. ونظرة فاحصة على الشارع في معظم البلاد العربية والإسلامية سوف تدلنا على التدهور في هذا الجانب من الشخصية. وبقليل من التفصيل: سوف نرى أن عدم الأنضباط والعشوائية وعدم الإلتزام بالقوانين وعدم إحترام حقوق الآخرين ومحاولة تخطيهم أوسلبهم حقوقهم باللجوء للواسطة أوالمحسوبية أو حتى "الفهلوة" والفساد هي سمات سائدة ، هذا بالأضافة إلى الأفتقار للغة الحوار وثقافة تقبل الآخر وعلو النعرة الطبقية أو العرقية أو الطائفية. ما يزيد الطين بلة هو هذا التدهور الأقتصادي الواسع وأنتشار البطالة وتراجع الناتج القومي وغياب الخطط القومية للنهوض بالمجتمع وتصليح مواطن الخلل فيه بسبب إنتشار الفساد في أوساط النُخب الحاكمة المستبدة والمستندة على دعم خارجي من أعداء الأمة.
العامل الثاني هو غياب الشخصيات القيادية المؤثرة والقادرة على لم المواطنين حولها وبالتالي القادرة على تحريك الشعوب وقيادتها في مواجهة مع الأنظمة الفاسدة المستبده والتي تمارس أقصى درجات الإرهاب الفكري والبدني على شعوبها.

في هذا المناخ كثر المؤمنين بخرافة المهدي المنتظر أو الخليفة الغائب والذي سيأتي لينتشل الأمة من الضياع! وهذه أحلام تشبه الى حد كبير أحلام البنات المراهقات الذين ينتظرن فارس الأحلام ليأتي على حصانه الأبيض لينتشلهن من الوحدة والفراغ واليأس! فهل حقا هناك مهدي منتظر أو خليفة غائب؟

أن الخليفة هو كل فرد في الأمة! والخلافة هي إيماننا بحقوقنا في العيش الحر الكريم والمساواة والعدل وأن نكون مثل باقي البشر في شتى الأمم! الخلافة ليست بيعة نبايع فيها شخصا ما على السمع والطاعة في المنشط والمكره.. ذلك أمر أنتهى منذ زمن بعيد ، بعد أن تسبب في أنتكاستنا وضياعنا عندما قبلنا أن يكون ذلك لسلاطين وأمراء وملوك كان كل همهم وجل شاغلهم هو مصالحهم الخاصة وتأمين الحكم لأهلهم من بعدهم فضاعوا وضيعونا.

إن الذي أدى الى ضياعنا هو برأيي أمرين:
الأمرالأول هو أننا لم نفطن لقول رسول الله صلى الله عليه وسلم أن خير القرون هو قرنه صلى الله عليه وسلم ثم الذي يليه .. وهكذا. يستتبع هذا أنه كان ينبغي علينا أن ندرك أن أُناسا مثل أبي بكر وعمر وعثمان وعليّ عليهم رضوان الله أستحال أن يتكرروا. ولما كان المصطفى صلى الله عليه وسلم قد أخبرنا أن الخلافة سوف تتحول في وقت ما إلى مُلك عاض ، فإنه كان ينبغي ألا نستسلم لأي سلطان يدعي بأنه "الخليفة" ، وكان لزاما علينا أن نتمسك بأن يكون الحكم بيد الشعب وأن نرفض اية وصاية دينية لأيّا من الحكام! ويلي ذلك أيضا ألا نبايع أحدا على الطاعة إلا إذا إلتزم بعهده وميثاقه مع الشعب والذي هو ما اصطلح على تسميته "بالدستور" والذي ينبغي أن يُستقى من الشرع وأن يُصاغ على ضوءه بما يحقق مصالح الشعب ويضمن له ألا يتسلط عليه حاكم ما. ذلك ما تعلمناه من الفاروق عمر رضي الله عنه عندما قال أطيعوني ما أطعت الله فيكم ، فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم. ولأن فهم أحدنا للدين لن يكون كفهم عمر رضي الله عنه له ، فإنه ينبغي في وقتنا هذا الأحتكام إلى إحكام يُتفق عليها وتُستقى من الشرع ويصعب الخلاف عيها وهو مايعني الدستور.

الأمر الثاني هو أننا للأسف غفلنا لأزمنة عديدة عن صراعنا مع عدو لم يغفل عن صراعه معنا للحظة واحدة، وأقصد بذلك الغرب بفكره الحاقد على الإسلام وومحاولاته الدؤوبة لمحوه والقضاء عليه. وما يُؤْسف له هو أن شعوبنا إنما هي شعوب عاطفية تتأثر بسرعة وتنسى بسرعة وتغفل عن عدوها. فنحن كنا نركن الى التراخي والدعة في أعقاب ردنا لكل هجمة هجمها علينا الغرب. حدث ذلك بعد أن طردنا الصليبين من بيت المقدس على يد صلاح الدين ، وحدث أيضا بعد أن تخلصنا من الأحتلال العسكري لبلادنا في منتصف القرن الماضي. لم ندرك أن الغرب إنما كان يغير من وسائله وأساليبه في الأنقضاض علينا ، حتى وجدناه الآن يغزونا بإحتلال داخلي يتمثل في حكومات فاسدة وعميلة مدعومة منه هي أشد وطأة من الإحتلال الخارجي ، وبإحتلال ثقافي هو الأنكى تأثيرا يعمل على محو هويتنا وثقافتنا الإسلامية ونشر ثقافة الإباحية والتحلل والخنوع بين شبابنا. ثم إننا في غمرة غفلتنا هذه لم نطور صناعة ولم نصنع سلاحا ندافع به عن أنفسنا ، وإنما أكتفينا بأن نستجدي السلاح من أعدائنا. بئس القوم نحن إذن!

نحن لسنا في حاجة الى خليفة ، لأن الخلفاء الراشدون لا يتكررون ، ولسنا في حاجة الى دولة خلافة لأ ن دولة الخلافة بدون خليفة راشد هي مُلك عاض أدى إلى ضياعنا من قبل وما يزال!
نحن في حاجة إلي شباب واعٍ ومؤمن بدينه وبلده وقضيته ويثق بقيادات رشيدة تعد العدة وتعزم الأمر وتتوكل على الله. هذه القيادات الرشيدة لا تهبط علينا من السماء ، ولا تأتينا بصالح الدعوات فقط وإنما نصنعها نحن بأيدينا وبتوفيق من الله ببرامج لصنع القادة وبسياسات تعمل على نشر الوعي الوطني والديمقراطي وإعلاء مصلحة الأمة مع صون مصالح الأفراد.

أيها السادة المنتظرون لعودة الخليفة الغائب ليقيم لكم دولة الخلافة: أنتم الخليفة وأنتم الخلافة وأنتم من يصنع ذلك.

د. أحمد مراد